أصدرت المحكمة الدستورية العليا في رومانيا قرارًا صادمًا بإلغاء الانتخابات الرئاسية، وذلك قبل يومين فقط من موعد جولة الإعادة المقررة، فيما يغرق هذا القرار المفاجئ البلاد العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو) في حالة من الفوضى السياسية، وسط مخاوف متزايدة من تدخلات روسية في العملية الانتخابية.
مخاوف أمنية وتدخلات خارجية
وكشفت صحيفة "بوليتيكو" أن الأجهزة الأمنية الرومانية قدمت أدلة دامغة على قيام روسيا بشنِّ "هجمات هجينة عدوانية" على البلاد، في محاولة للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية.
وأظهرت وثائق استخباراتية تم رفع السرية عنها، عن وجود حملة منظمة على منصات التواصل الاجتماعي، وتحديدًا تطبيق "تيك توك"، إذ تم رصد نشاط مكثف لما يقرب من 25 ألف حساب داعم للمرشح القومي كالين جورجيسكو.
وأكدت التقارير الاستخباراتية أنَّ هذه الحملة كانت مشابهة تمامًا لعمليات التأثير التي نفذها الكرملين سابقًا في كلٍ من أوكرانيا ومولدوفا، ما يشير إلى وجود نمط متكرر من التدخل الروسي في العمليات الانتخابية بدول شرق أوروبا.
وحظيت هذه المخاوف بتأييد واسع من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، التي أكدت صحة التقييمات الأمنية الرومانية.
أزمة سياسية متصاعدة
أدى صعود "جورجيسكو" في الجولة الأولى من الانتخابات إلى إثارة موجة من القلق العارم في الأوساط السياسية الرومانية والأوروبية على حد سواء.
ونقلت "بوليتيكو" عن مصادر سياسية رومانية أنّ فوز جورجيسكو المفاجئ في 24 نوفمبر أثار صدمة كبيرة في الأوساط المؤيدة للغرب، خاصة مع مواقفه المعادية للناتو والاتحاد الأوروبي، وتهديداته المتكررة بإنهاء كل أشكال الدعم لأوكرانيا.
وأدت هذه التطورات إلى اندلاع مظاهرات حاشدة في العاصمة بوخارست، حيث خرج آلاف المواطنين المؤيدين للتوجه الأوروبي للتعبير عن دعمهم للتحالفات الدولية لبلادهم.
تداعيات دستورية وإدارية معقدة
وفي تعقيد غير مسبوق للمشهد السياسي، كشفت "بوليتيكو" عن وجود أزمة إجرائية معقدة، إذ كان نحو 48 ألف مواطن روماني في الخارج أدلوا بالفعل بأصواتهم في جولة الإعادة قبل صدور قرار المحكمة الدستورية.
ويرجع ذلك إلى النظام الانتخابي الروماني الذي يمنح المواطنين في الخارج فترة تصويت تمتد لثلاثة أيام، على عكس المقيمين داخل البلاد.
وتزامنت هذه الأزمة مع نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في الأسبوع الماضي، والتي أسفرت عن تشكيل ائتلاف رباعي هشّ، ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي الروماني.
وفي خضم هذه الأزمة، برزت شخصية إيلينا لاسكوني، المرشحة الليبرالية والصحفية التلفزيونية السابقة، التي كان من المقرر أن تخوض جولة الإعادة ضد جورجيسكو.
ووصفت لاسكوني قرار المحكمة بأنه "لحظة تاريخية داست فيها الدولة الرومانية على الديمقراطية"، معتبرة أن ما حدث يمثل اختطافًا صريحًا للعملية الانتخابية. وفي المقابل، دعا جورج سيميون، زعيم حزب AUR اليميني المتطرف الداعم لجورجيسكو، أنصاره إلى عدم النزول للشوارع، واصفًا القرار بأنه "انقلاب كامل الأركان".
مستقبل غامض
وأشارت التطورات الأخيرة، وفقًا لـ"بوليتيكو"، إلى أن الرئيس الحالي كلاوس يوهانيس سيستمر في منصبه إلى ما بعد موعد انتهاء ولايته المقرر في 21 ديسمبر، وذلك حتى أداء الرئيس القادم اليمين الدستورية بعد إجراء انتخابات جديدة.
ويأتي هذا الترتيب في محاولة لتجنب حدوث فراغ دستوري، إذ سيتولى يوهانيس مسؤولية الموافقة على تعيين رئيس وزراء جديد فور اقتراح الائتلاف الحكومي اسمًا للمنصب.