تقف فرنسا اليوم على مفترق طرق تاريخي مع اقتراب موعد التصويت على حجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء ميشيل بارنييه، في أزمة سياسية غير مسبوقة قد تؤدي إلى أقصر عمر لحكومة في تاريخ الجمهورية الفرنسية الحديثة، إذ كشفت تقارير فرنسية عن تفاصيل الأزمة السياسية المتصاعدة التي تهدد باستقرار ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، في وقت تواجه فيه أوروبا تحديات جيوسياسية واقتصادية متزايدة.
خريطة الأزمة السياسية
كشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية عن عمق الأزمة السياسية التي تعصف بفرنسا، إذ من المتوقع أن يحصل تصويت حجب الثقة على دعم غير مسبوق من تحالف يجمع بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، وفي حال نجاح هذا التصويت، سيدخل ميشيل بارنييه التاريخ كأقصر رئيس وزراء فرنسي خدمةً في منصبه، إذ لم يمض على توليه المنصب سوى أشهر قليلة منذ سبتمبر الماضي.
وتشير الصحيفة إلى أن جذور الأزمة تعود إلى المشهد السياسي المعقد الذي نتج عن الانتخابات التشريعية المبكرة التي راهن عليها الرئيس إيمانويل ماكرون.
وتوضح "لوموند" أن اختيار بارنييه، المفاوض السابق للاتحاد الأوروبي في ملف بريكست، جاء في محاولة للتوفيق بين مختلف التيارات السياسية وكسب دعم لوبان الضمني، إلا أن حكومته ظلت تحت تهديد مستمر بالسقوط منذ توليها المنصب في سبتمبر الماضي، مع وضع مصيرها في يد زعيمة اليمين المتطرف.
المأزق الاقتصادي والتحديات المالية
سلّطت صحيفة "لوفيجارو" الضوء على الأبعاد الاقتصادية الخطيرة للأزمة السياسية، موضحة أن فرنسا تواجه تحديات مالية غير مسبوقة، إذ تراكمت الديون وارتفع العجز بشكل كبير بعد الإنفاق السخي لحماية دخول المواطنين خلال فترة جائحة كوفيد-19، وتوفير الحماية لهم من ارتفاع أسعار الطاقة الذي أعقب الحرب الروسية الروسية الأوكرانية.
وتشير الصحيفة إلى أن العجز في الميزانية تجاوز 6% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يفوق بكثير الحد المسموح به في الاتحاد الأوروبي والمحدد بـ3%.
مارين لوبان والحسابات السياسية
أشارت صحيفة "ليبراسيون" إلى دور مارين لوبان في الأزمة الراهنة، موضحة أن زعيمة اليمين المتطرف تمكنت من الحصول على تنازلات كبيرة في مفاوضات الميزانية، إلا أنها عندما أصر بارنييه على إجراء تخفيضات كبيرة في الإنفاق للسيطرة على العجز المتصاعد في الميزانية والديون، وتجاوز المجلس الأدنى للبرلمان لتمرير مشروع قانون الميزانية، دعا كل من حزبها والتحالف اليساري إلى التصويت بحجب الثقة.
وتكشف الصحيفة أن توقيت تحرك لوبان أثار تساؤلات عديدة، خاصة مع طموحاتها المعروفة للرئاسة الفرنسية، فرغم أن الانتخابات الرئاسية المقبلة لن تجرى قبل عام 2027، وتأكيد ماكرون على أنه سيكمل فترة ولايته الثانية "بكل طاقته حتى اللحظة الأخيرة ليكون مفيدًا للبلاد"، إلا أن بعض المحللين يرون أن لوبان قد تأمل في أن تؤدي الأزمة إلى استقالة مبكرة للرئيس.
التداعيات الإقليمية والدولية
أشارت صحيفة "لوموند" إلى التداعيات الأوسع للأزمة، مشيرة إلى أن اضطراب الوضع السياسي في فرنسا، الذي يأتي بعد أسابيع فقط من أزمة الحكومة الألمانية، يهدد بترك أقوى دولتين في الاتحاد الأوروبي في حالة من الفراغ القيادي.
ويأتي هذا في وقت حساس يحذّر فيه المسؤولون الأوروبيون من ضرورة الاستعداد لتحديات محتملة، خاصة في ظل التهديدات بحرب تجارية أو تخفيض المساعدات لأوكرانيا.
وتؤكد الصحيفة أن الأزمة السياسية في باريس تثير مخاوف من أزمة مالية، حيث يقلق المستثمرون بشأن مصير سلسلة من الإجراءات العلاجية التي كان من المفترض أن تعالج العجز المرتفع في الميزانية، في حين أدى هذا القلق إلى اتساع الفارق بين عائدات السندات الفرنسية والألمانية إلى أكبر فجوة له منذ 12 عاماً، في مؤشر على تزايد المخاطر المحيطة بالاقتصاد الفرنسي.