الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كوريا الجنوبية ترفض الأحكام العرفية.. طوارئ الرئيس تتعثر أمام الديمقراطية

  • مشاركة :
post-title
الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول

القاهرة الإخبارية - عبدالله علي عسكر

في لحظات تاريخية مفصلية، تتجلى معاني الديمقراطية الحقيقية في المواجهة مع قرارات استثنائية قد تعصف بها، إذ شهدت كوريا الجنوبية محطة جديدة من نضالها الديمقراطي حين اجتمعت الجمعية الوطنية (البرلمان) في ظروف استثنائية للتصدي لإعلان الأحكام العرفية، لتسطر فصلًا آخر في حماية قيم الحرية والحكم المدني.

إجماع تاريخي

في ساعة مبكرة من مساء اليوم الثلاثاء (صباح الأربعاء بتوقيت كوريا الجنوبية) صوّتت الجمعية الوطنية الكورية الجنوبية (البرلمان) بالإجماع لصالح إلغاء الأحكام العرفية التي أعلنها الرئيس يون سوك يول. جاء هذا القرار في جلسة طارئة عقدت بحضور 190 نائبًا، استجابة للمادة 77 الفقرة الخامسة من الدستور، التي تلزم الرئيس بإلغاء الأحكام العرفية عند طلب أغلبية الجمعية الوطنية ذلك.

عقب التصويت، احتفل المشرعون بالقرار بتصفيق حار، وصرّح رئيس الجمعية الوطنية وو وون شيك بأن هذا الإعلان أصبح "باطلًا ولاغيًا". كما دعا ضباط الجيش والشرطة الذين كانوا يحاولون دخول مبنى الجمعية الوطنية إلى المغادرة فورًا، مؤكدًا أن الجمعية ستقف دائمًا إلى جانب الشعب لحماية الديمقراطية.

مؤسسات تتحدى القرار

وفي نبأ عاجل لصحيفة "كوريا تايمز" الكورية الجنوبية أعلن الرئيس الكوري الجنوبي "يون سوك يول" أن قوات القيادة العسكرية انسحبت من الشوارع.

ورغم إعلان الرئيس يون حالة الطوارئ والأحكام العرفية، أعلنت وزارة التعليم فتح جميع المدارس والمؤسسات التعليمية أبوابها وعملها كالمعتاد في جميع أنحاء البلاد غدًا الأربعاء.

وفي رسالة نصية إلى الصحفيين، قالت وزارة التعليم إن "جميع العمليات والجداول الدراسية ستسير بشكل طبيعي، وأنها ستبلغ الصحفيين في حال حصول أي تغييرات في الوضع"، مؤكدة أن الدراسة في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعات ستستمر بشكل طبيعي، بحسب رسالة الوزارة.

في الساعات الحرجة التي سبقت التصويت، حاولت قوات عسكرية دخول مبنى الجمعية لمنع النواب من التجمع، ما أدى إلى اشتباكات جسدية بين الجنود ومساعدي النواب. غير أن المشرّعين من جميع الأطياف السياسية تمكنوا من الاجتماع داخل القاعة الرئيسية، حيث تعهدوا بالتصدي لإعلان الأحكام العرفية.

وأشار زعيم حزب المعارضة لي جاي ميونج إلى العيوب الإجرائية والموضوعية في إعلان الأحكام العرفية، واعتبره غير صالح. كما دعا زعيم حزب الشعب التقدمي القوات إلى التزام القانون واحترام قرار الجمعية الوطنية.

وزير الدفاع يتجاهل رئيس الوزراء

وفق "كوريا تايمز" لم يكن رئيس الوزراء هان دوك سو على علم بإعلان الرئيس يون سوك يول الأحكام العرفية، مشيرة إلى أن وزير الدفاع كيم يونج هيون، تجاوز رئيس الوزراء وتواصل مباشرة مع الرئيس.

إضافة إلى ذلك، تم نشر وحدات عسكرية النخبة، وتحديدًا اللواء الأول للقوات الخاصة المحمولة جوًا، في الجمعية الوطنية، ما يشير إلى خطوة عدوانية لقمع المعارضة السياسية.

الغضب الشعبي يملأ الشوارع

توافد آلاف المواطنين إلى محيط الجمعية الوطنية، مساء اليوم الثلاثاء، للتعبير عن غضبهم من إعلان الأحكام العرفية. وبعد صدور قرار الإلغاء، علت هتافات الفرح والمطالبة بعزل الرئيس يون سوك يول.

في مدينة جوانغجو، المعروفة بتاريخها في النضال الديمقراطي، نظمت مجموعات من النشطاء احتجاجات، ووصفت تصرفات الرئيس بأنها اعتداء مباشر على الديمقراطية. أصدرت لجنة طرد يون سوك يول بيانًا قوي اللهجة، مؤكدة أن الرئيس لم يعد ممثلًا للشعب.

تحذيرات للمؤسسات الأمنية

منظمات مدنية وأحزاب سياسية أدانت إعلان الأحكام العرفية ووصفته بأنه غير دستوري ويهدد الديمقراطية. إذ دعت هذه المجموعات إلى محاسبة الرئيس، وأشارت إلى أن مثل هذا الإعلان يعيد ذكريات مظلمة من تاريخ الأنظمة العسكرية في كوريا الجنوبية.

كما وجّهت منظمات حقوقية رسائل مباشرة إلى الجنود، تحثهم على الامتناع عن استخدام القوة ضد المواطنين، وتذكيرهم بمسؤولياتهم تجاه الوطن والشعب.

تداعيات سياسية

تمثل هذه الأحداث تذكيرًا قويًا بضرورة التمسك بالضوابط الديمقراطية في مواجهة القرارات الاستثنائية. ومع تصاعد الأصوات المطالبة بالمحاسبة، يُتوقع أن يكون لهذه اللحظة تأثير عميق على المشهد السياسي في كوريا الجنوبية، إذ إن الديمقراطية ليست مجرد نظام حكم؛ بل التزام مشترك بين الشعب وممثليه لحماية الحقوق والحريات مهما كانت الظروف.