في خضم التصعيد المستمر في قطاع غزة، تتصاعد التساؤلات حول جدوى العمليات العسكرية الإسرائيلية وأهدافها الاستراتيجية. ويحذر مايكل ميلشتين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب العبرية وعضو الاستخبارات الدفاعية الإسرائيلية السابق، من أن إسرائيل قد تسجن نفسها في فخ استراتيجي بغزة، حيث تضيع بين الطموحات العسكرية والواقع السياسي الغامض، ما ينذر بكارثة طويلة الأمد.
عمليات بلا أهداف
يشير مايكل ميلشتين إلى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، المستمرة منذ أكثر من عام، تفتقر إلى رؤية استراتيجية واضحة. فالأهداف المعلنة، وهي تدمير القدرات العسكرية لحماس وتحرير المحتجزين لم تترافق مع خطة مفصلة لتحقيقها.
وفي الوقت الذي يشهد القطاع تغييرات جغرافية وديموغرافية كبيرة، مثل إخلاء السكان وإنشاء مناطق عازلة، يبدو أن هذه التحركات تحمل طابعًا عسكريًا أكثر من كونها جزءًا من رؤية استراتيجية طويلة الأمد.
سيناريوهات معقدة
وفقًا لتحليل ميلشتين، يبدو أن إسرائيل عالقة بين خيارات استراتيجية متناقضة، أولها احتلال شامل وطويل الأمد وهو خيار يُنظر إليه على أنه غير عملي، لكنه قد يضمن هزيمة حماس، أو الانسحاب الجزئي الذي قد يتيح تحرير المحتجزين، لكنه لا يوفر ضمانات للقضاء على تهديد حماس.
ويشبه ميلشتين الوضع الحالي بإقامة إسرائيل في جنوب لبنان بين 1982 و2000، حيث هيمن المنطق العسكري على القرارات دون وجود رؤية سياسية واضحة، ما أدى إلى استنزاف طويل الأمد.
أوهام سياسية
ويلفت ميلشتين النظر إلى الفوضى المفاهيمية التي تحيط بالحديث عن "اليوم التالي" في غزة. فالمناقشات تدور حول أفكار مثل تجديد الاستيطان في القطاع أو إدخال شركات أمريكية وكيانات عربية لتقديم المساعدات الإنسانية، دون وجود خطة شاملة أو قيادة واضحة لتطبيق هذه الأفكار.
على الرغم من الضربات الكبيرة التي تعرضت لها حماس، يشير ميلشتين إلى أن الحركة لا تزال فاعلة في الميدان. حماس لم تُظهر أي استعداد للاستسلام أو تقديم تنازلات بشأن المحتجزين، ما يعكس تناقضًا مع العقيدة الإسرائيلية التي تفترض أن المزيد من القوة سيؤدي إلى انهيارها.
حرب استنزاف طويلة
يحذر ميلشتين من أن إسرائيل تخوض حرب استنزاف طويلة الأمد في غزة، حيث يختلط الجيش الإسرائيلي مع مسلحين من حماس وعشائر محلية، وسط بيئة من الفوضى والنازحين، ويقول إن فكرة انهيار حماس أو استسلامها غير واقعية في المستقبل القريب.
يدعو ميلشتين القيادة الإسرائيلية إلى تقديم سياسة واضحة للجمهور، ومواجهة التساؤلات بشأن المنطق الذي يوجه العمليات في غزة. كما يطالب الجمهور الإسرائيلي بالضغط للحصول على إجابات ملموسة والابتعاد عن الشعارات العامة والرؤى الغامضة التي لا تقدم حلولًا حقيقية، ويرى، أيضا، أن إسرائيل تواجه مفترق طرق حاسمًا في غزة: إما احتلال كامل للقطاع مع تحمل التكاليف العسكرية والسياسية، أو انسحاب جزئي مع صياغة استراتيجية منظمة بعيدة المدى.
وبينما يبقى المحتجزون في قبضة حماس، تظل قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها محل شك كبير، ما يجعل مستقبل غزة وأمن إسرائيل مفتوحًا على سيناريوهات معقدة وصعبة.