الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

كوب 29.. حدود تهديد التغيرات المناخية لأمن الدول الإفريقية

  • مشاركة :
post-title
إفريقيا والتغيرات المناخية

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

يمثل تغير المناخ التحدي الأخطر في العصر الحالي لأن أضراره تشمل الجميع؛ فخطره لا يعرف حدود، فالعواقب العديدة لهذا التحدي -تشمل الطقس المتطرف، وارتفاع مستويات سطح البحر، وانعدام الأمن الغذائي والمائي، وفقدان التنوع البيولوجي والمخاطر الصحية المتزايدة، النزوح والهجرة المناخية- تعرض حياة الإنسان وسبل العيش والنظم الإيكولوجية للخطر، ولها تأثير سلبي على الأمن والاستقرار الوطني والإقليمي والعالمي.

واتصالًا بما سبق، تواجه إفريقيا أعباءً ومخاطرَ أمنية عديدة ناجمة عن الظواهر والأنماط الجوية المرتبطة بتغير المناخ الذي تتسبب في أزمات كثيرة تُلحِق آثارًا ضارة بالزراعة والأمن الغذائي والتعليم والطاقة والبنية التحتية والسلام والأمن والصحة العامة والموارد المائية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة في القارة الإفريقية.

لذلك تسعى الدول الإفريقية إلى تعظيم الاستفادة من اجتماعات مؤتمر الأطراف التابع للأمم المتحدة (كوب29) الذي يختتم أعماله اليوم في باكو بأذربيجان لزيادة الحصة الإفريقية من التمويل العالمي المرتبط بالمناخ، وذلك لمساعدتها في التعامل مع التهديدات المتزايدة الناجمة عن تغير المناخ، وما يرتبط بها من أخطار أمنية متزايدة.

في هذا السياق، تٌثار عدة تساؤلات؛ يأتي في مقدمتها: كيف تهدد التغيرات المناخية أمن الدول الإفريقية؟ وما أهم الدول والأقاليم والمناطق الإفريقية المتأثرة أمنيًا بالتغيرات المناخية؟

وفي ضوء ما سبق، يأتي هذا التحليل للإجابة على هذه التساؤلات عبر النقاط الرئيسة التالية:

خسائر مهددة:

أفاد تقرير أصدرته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في سبتمبر 2024، بأن إفريقيا تتحمل عبئًا ثقيلًا ومتزايدًا جراء تغير المناخ، وتتكبد تكاليف باهظة على نحو غير متناسب للتكيف الأساسي مع المناخ. وتخسر البلدان الإفريقية في المتوسط بين 2 و5% من الناتج المحلي الإجمالي، وتخصص الكثير من هذه البلدان ما يصل إلى 9% من ميزانياتها لمواجهة الظواهر المناخية المتطرفة. فوفقًا لتقرير حالة المناخ في إفريقيا 2023 الذي أصدرته المنظمة، تشير التقديرات إلى أن تكلفة التكيف مع تغير المناخ في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ستتراوح بين 30 و50 مليار دولار أمريكي سنويًا على مدى العقد المقبل، أو ما يعادل 2-3% من الناتج المحلي الإجمالي لهذه المنطقة.

كذلك، تشير التقديرات إلى أنه ما لم تُتخَّذ تدابير كافية للاستجابة، فإن ما يصل إلى 118 مليون شخص يعانون من الفقر المدقع (ويعيشون على أقل من 1.90 دولار أمريكي في اليوم) سيتعرضون للجفاف والفيضانات والحرارة المتطرفة في إفريقيا بحلول عام 2030.

وفي ما يتعلق بالخسائر البشرية للظواهر المناخية المتطرفة في إفريقيا، أدت الظواهر المناخية المتطرفة مثل الفيضانات إلى خسائر بشرية جسيمة في العديد من البلدان الإفريقية، إذ تضرر ما يقرب من 300 ألف شخص من الفيضانات في 10 بلدان، وكانت النيجر وبنين وغانا ونيجيريا أكثر البلدان تضررًا. فعلى سبيل المثال، اجتاحت الفيضانات ليبيا في أعقاب الإعصار المداري "العاصفة دانيال" الذي حدث في البحر المتوسط وضرب البلاد في سبتمبر 2023، وأدت هذه الفيضانات إلى وفاة 4700 شخص على الأقل، ولا يزال 8000 شخص في عداد المفقودين، كذلك شهدت أجزاء من كينيا والصومال وإثيوبيا فيضانات واسعة النطاق وشديدة، أدت إلى وفاة أكثر من 350 شخصًا ونزوح 2.4 مليون شخص، وهناك أيضًا الإعصار المداري فريدي، الذي حطم الرقم القياسي، إذ تسبب في فيضانات واسعة النطاق عندما وصل في نهاية المطاف إلى اليابسة في كل من موزمبيق ومالاوي، حيث هطلت أمطار غزيرة للغاية. وتضررت مالاوي بشدة إذ أودت الفيضانات بحياة 679 شخصًا على الأقل، وأُبلِغ عن 165 وفاة أخرى في موزمبيق. وأثرت الفيضانات الشديدة المصحوبة بانهيارات أرضية على وسط إفريقيا على الحدود بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، راح ضحيتها 574 شخصًا على الأقل.

التأثير على أمن الدول الإفريقية:

أصبح تغير المناخ عاملًا مؤثرًا رئيسيًا على الأمن القومي في العديد من الدول حول العالم؛ من بينها الدول الإفريقية. وتتعدد أوجه تأثير المناخ على أمن الدول الإفريقية لتشمل ما يلي:

(*) تأثير التغير المناخي على الهجرات السكانية وتزايد مخاطر النزاعات الداخلية والدولية في القارة الإفريقية: تسبب الظواهر المناخية شديدة الخطورة، مثل الفيضانات وحالات الجفاف والتصحر وارتفاع مستوى البحر، في أن يضطر عدد متزايد من السكان في إفريقيا إلى الهجرة من المناطق الريفية إلى الحضرية، وكذلك بعيدًا عن المناطق القاحلة، والمناطق الساحلية المنخفضة، والجزر الصغيرة. ويمكن أن تؤدّي الهجرات الكبيرة الناتجة عن ذلك إلى اندلاع نزاعات عنيفة للحصول على الموارد الرئيسية لكسب الرزق والتصرف فيها، ومن هذه الموارد الأرض والمياه.

(*) تأثير التغير المناخي على الأمن الغذائي للعديد من الدول الإفريقية: يُهدّد التغيُّر المناخي بتفاقم المخاطر القائمة على الأمن الغذائي وسبل العيش نتيجة زيادة تهديد تناقص الإنتاج الزراعي في المناطق المعرَّضة للخطر خاصة في إفريقيا، وارتفاع مخاطر الصرف الصحي وزيادة نُدرة المياه، مما سيؤدي إلى زيادة نسبة النزاعات على الموارد، والتي من شأنها أن تؤدي إلى أزمات إنسانية. وتُواجه منطقة شرق إفريقيا أسوأ أزمة غذائية وفقًا لمنظمة أوكسفام، إذ يعاني 12 مليون شخص في إثيوبيا وكينيا والصومال، من نقص حادّ في الغذاء، حيث كان سقوط الأمطار أقل من المتوسط، وهي مشكلة خطيرة على القارة التي تعتمد في الزراعة على مياه الأمطار.

ويتأكد هذا التأثير في ضوء ما تشير إليها بعض التقديرات من أن حدوث زيادة في درجات الحرارة بمقدار 0.4 درجة مئوية على درجات الحرارة الحالية، سيؤدي إلى تقلص فترة زرع المحاصيل بأكثر من 20% في منطقة الساحل، وإلى انخفاض محصول الزراعة بنسبة تصل إلى 50% في العديد من البلدان الإفريقية. وتقدّر الخسائر في إمكانات إنتاج الحبوب بإفريقيا جنوب الصحراء بنحو 33% بحلول عام 2060م، وستزيد حالات الجفاف والفيضانات وأحوال الطقس الشديدة المتكررة من العراقيل التي تُواجه نُظم الإنتاج الزراعي والحيواني. وتهدّد الآثار المجتمعة لهذه الظواهر سبل الرزق لأعداد كبيرة من السكان، وتَحُدّ من آفاق النمو الاقتصادي، وخفض معدلات الفقر، والأمن الغذائي، وحماية البيئة في القارة.

ويتضح هذا التأثير كذلك في ضوء انخفاض إنتاج شمال إفريقيا من الحبوب ليصل إلى 33 مليون طن في عام 2023، وهو أقل بنحو 10% من متوسط السنوات الخمس، ويماثل محصول العام السابق الذي أصابه الجفاف بالفعل. وكانت تونس البلد الأكثر تضررًا. وظلَّ إنتاج الحبوب عند مستويات أقل من المتوسط في الأجزاء الشمالية من المنطقة دون الإقليمية بسبب عدم انتظام سقوط الأمطار والحالة العامة من انعدام الأمن، وشملت هذه الأجزاء السودان وجنوب السودان ومنطقة كاراموجا في أوغندا وإريتريا وإثيوبيا ووسط وغرب كينيا. وفي السودان، كانت الأمطار الموسمية أقل من المتوسط وغير منتظمة زمنيًا، وعانت البلاد من فترات جفاف طويلة، ويُتوقع أن ينخفض إنتاج الذرة الرفيعة بنحو 25% مقارنة بعام 2022.

(*) تأثير التغير المناخي على الأمن المائي للعديد من الدول الإفريقية: تتناقص الموارد المائية في إفريقيا على مر الزمن، ويعود ذلك أساسًا إلى استمرار حالات الجفاف وأنماط استغلال الأراضي في القارة. ويُتوقع أن يُفاقم تغيُّر المناخ هذا الوضع، وأن يتعرَّض عدد من السكان -يتراوح بين 75 – 250 مليون نسمة- في إفريقيا لمزيدٍ من التقص المائي. ومن المتوقع أيضًا أن ينعكس انخفاض مستويات المياه سلبًا على جودة المياه. وإذا ما اقترن ذلك بزيادة الطلب على استخدام المياه لأغراض مختلفة، مثل الزراعة والصناعة والطاقة؛ فإنه سيؤثّر تأثيرًا سلبيًّا على سُبُل الرزق، وسيُفاقم المشكلات المرتبطة بالمياه، من قبيل النزاعات التي تنتج عن التنافس على الطلب وإدارة الموارد المائية المتقاسمة.

ويتأكد هذا التأثير في ضوء ما شهدته أجزاء من المغرب والجزائر وتونس ونيجيريا والكاميرون وإثيوبيا ومدغشقر وأنجولا وزامبيا وزيمبابوي وجمهورية الكونغو الديمقراطية من موجة جفاف شديد في عام 2023، وواجهت زامبيا أسوأ موجة جفاف في السنوات الأربعين الماضية، أثرت على ثماني من أصل عشر مقاطعات ونحو ستة ملايين شخص.

(*) تأثير التغير المناخي على أمن الطاقة في القارة الإفريقية: من الممكن أن يعوق انخفاض تدفقات المياه إقامة سدود الطاقة الكهرومائية الكبرى، ونضوب موارد طاقة الكتلة الإحيائية الذي يزداد سوءًا نتيجة تغيُّر المناخ، ما يترتب عليه تفاقم خطير في الوضع السيئ أساسًا فيما يتعلق بتوفير الطاقة، وإمكانية الحصول عليها. ومن المتوقع أيضًا أن يتأثر إنتاج النفط في المناطق البحرية سلبًا من جراء ارتفاع مستوى البحر، ما يعوق التنمية الصناعية في جميع أرجاء القارة.

(*) تزايد التوترات بين الدول الكبرى لتعزيز نفوذها في القارة الإفريقية: تزيد التغيرات المناخية التنافس بين القوى الكبرى للسيطرة على الموارد الحيوية في أماكن غنية بمثل هذه الموارد مثل إفريقيا، إذ تصبح هذه المناطق أكثر أهمية من الناحية الاقتصادية والسياسية. ومن شأن هذا التنافس أن يؤدي إلى صراعات بين القوى الكبرى، خاصة في ظل التفاوتات في التأثيرات المناخية واستراتيجيات الاستجابة.

أبعاد تأثير تغير المناخ على أمن الدول الإفريقية
خريطة المناطق المُتأثرة:

خلص بحثٌ أصدره صندوق النقد الدولي منتصف هذا العام، بشأن تحديات المناخ في الدول الهشَّة والمتأثرة بالصراعات، إلى أن الضعف المناخي وأوجه الهشاشة الأساسية تتمثل في: الصراعات، والاعتماد الكبير على الزراعة، وضعف القدرات والحواجز السياسية، إذ تؤدي هذه العوامل مجتمعةً إلى تفاقم بعضها البعض، ويصاحبها تفاقم التأثير السلبي على الأفراد والاقتصادات وثم الأمن في هذه الدول. ومن بين البلدان الأكثر هشاشة والمتأثرة بالصراعات، ظهرت ست دول إفريقية (بوروندي وإثيوبيا وإريتريا والصومال وجنوب السودان والسودان) في قائمة عام 2024م. وبصفة عامة يمكن تحديد أهم الدول والأقاليم الإفريفية المتأثرة أمنيًا بالتغيرات المناخية، فيما يلى:

(*) منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي والبحيرات الكبرى: تٌعد هذه المنطقة واحدةً من أكثر المناطق عُرضة لتداعيات التغير المناخي على مستوى العالم، فقد تنامَى عدد النازحين قسرًا في المنطقة -بفعل تغير المناخ في الغالب- ثلاثة أضعاف تقريبًا خلال العقد الماضي. ففي أكتوبر 2023م، استضافت منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي والبحيرات الكبرى ما مجموعه 19 مليون نازح قسريًّا. ومن بين هؤلاء، كان هناك أكثر من 5.4 مليون لاجئ وطالب لجوء، ما يعني أن المنطقة تستضيف واحدًا من كل ستة لاجئين على مستوى العالم. ونزح أكثر من 13.6 مليون شخص داخليًّا. ومن بين هؤلاء، ما لا يقل عن 2.1 مليون شخص يعيشون في حالة نزوح داخلي حتى نهاية عام 2022م في أعقاب آثار الأحداث الخطيرة أو الكوارث المرتبطة بالمناخ، ولا سيما الفيضانات وحالات الجفاف.

(*) منطقة الساحل الإفريقي: تعاني منطقة الساحل الإفريقي من التصحر وارتفاع درجات الحرارة، ما يدفع مئات الآلاف للنزوح نحو الشمال هربًا من الفقر والجفاف. وهذا النزوح يتسبب في أزمات لوجستية واجتماعية لدول جنوب أوروبا، مثل إيطاليا وإسبانيا، ويؤدي إلى توترات سياسية داخل الاتحاد الأوروبي، حيث تختلف الدول الأعضاء حول كيفية التعامل مع المهاجرين.

(*) دول إفريقيا جنوب الصحراء (مثل نيجيريا والسودان والصومال): تعاني هذه الدول من التصحر والجفاف الذي يهدد الأمن الغذائي ويؤدي إلى صراعات على الموارد. كما أن ضعف البنية التحتية والإدارة يزيد من التحديات في هذه الدول. ويتجلى تأثير التغير المناخي عليها في نزاعات بين المجتمعات الرعوية والمزارعين، زيادة خطر الإرهاب والتطرف، ونزوح سكاني داخلي ودولي نحو المناطق الساحلية.

(*) منطقة دارفور بالسودان: كانت أحد أسباب الصراع في دارفور نقص المياه وتدهور الأراضي الزراعية بفعل الجفاف، ما أدى إلى تنافس القبائل على الموارد القليلة، وبدأ هذا الصراع بسبب عوامل بيئية وتفاقم وتزايدت حدته بسبب الانتماءات القبلية ليصبح أزمة أمنية وسياسية، وتدخلت القوات الحكومية واندلعت اشتباكات مستمرة لسنوات.

وفي النهاية، يمكن القول إن التغيُّر المناخي خطر حقيقي، وينتج عنه آثار مدمرة على العالم بصفة عامة، وعلى القارة الإفريقية بصفة خاصة. وإن تأخُّر العمل في مواجهة الاحتباس الحراري يجعل خفض مستويات المخاطر المناخية أمرًا بعيد المنال. فمع هذه المخاطر، يصبح منع الصراعات على الموارد الطبيعية وإدارتها وحلَّها هي من بين التحديات الرئيسية للسلام والأمن في القرن الجاري. فمن شأن الطلب المتزايد على الموارد الطبيعية، المقترن بالتدهور البيئي والتغير المناخي، أن يؤدي إلى تكثيف الضغوط التنافسية بين البلدان والمجتمعات بشأن الوصول إلى الموارد وملكيتها واستخدامها. لذلك يتوقع العديد من الباحثين والحكومات أن تصبح الموارد الطبيعية محرّكات رئيسة لعدد متزايد من النزاعات والصراعات، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة محتملة على السلام والأمن الدولي والإقليمي والوطني.

وأدى تغير المناخ إلى زيادة القضايا الأمنية للدول الإفريقية تعقيدًا، إذ أصبح الأمن القومي لهذه الدول ليس فقط مرتبطًا بالتهديدات العسكرية التقليدية، بل اتسع ليشمل أيضًا التهديدات البيئية والتغيرات المناخية التي تتطلب استجابات شاملة وتعاونًا إقليميًا على المستوى الإفريقي إلى جانب التعاون الدولي لتفادي التداعيات السلبية لهذه التهديدات.