تشهد ألمانيا، المحرك الاقتصادي الرئيسي للاتحاد الأوروبي، أزمة اقتصادية غير مسبوقة تهدد استقرارها الداخلي ودورها الريادي داخل الاتحاد، إذ تشير توقعات المفوضية الأوروبية إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي الألماني خلال العام المقبل، ما يعكس وضعًا اقتصاديًا هشًا يتزامن مع اضطرابات سياسية داخلية وتجاذبات جيوسياسية عالمية.
وسلطت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية الضوء على تداعيات هذه الأزمة وتأثيرها على ألمانيا والاتحاد الأوروبي ككل، مع التطرق إلى أبرز التحديات التي تواجهها.
سابقة مقلقة
وتواجه ألمانيا أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ سنوات، بحسب "ذا جارديان"، إذ توقعت المفوضية الأوروبية انكماش الاقتصاد بنسبة 0.1% في 2024، وهو ما يُعد سابقة مقلقة لدولة طالما كانت القوة الاقتصادية الدافعة للاتحاد الأوروبي.
ومع هذا الأداء الضعيف، من المتوقع أن تسجل ألمانيا نموًا طفيفًا بنسبة 0.7% فقط في 2025، ما يضعها في مرتبة متأخرة مقارنة بباقي دول الاتحاد.
ويرتبط الجمود الاقتصادي الحالي بعدة عوامل، أبرزها تراجع الاستثمار وضعف الإنتاجية، بالإضافة إلى تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية وتباطؤ الطلب العالمي.
وفيما كانت ألمانيا تعتمد على قطاعات مثل صناعة السيارات والصادرات الصناعية، يبدو أن هذه الركائز أصبحت أقل قدرة على تحمل ضغوط المنافسة العالمية.
تباطؤ أوروبي عام
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه التحديات الاقتصادية لم تقتصر على ألمانيا وحدها، إذ إن فرنسا -ثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي- تواجه تباطؤًا اقتصاديًا أيضًا، مع نمو متوقع لا يتجاوز 0.8% في العام المقبل، مقارنة بـ 1.1% هذا العام.
أما الاتحاد الأوروبي ككل، فمن المتوقع أن يسجل نموًا "متواضعًا"، بنسبة 0.9% في 2024 و1.5% في 2025، ما يعكس تباطؤًا اقتصاديًا عامًا على مستوى القارة.
ورغم أن البنك المركزي الأوروبي خفض أسعار الفائدة ثلاث مرات في محاولة لتحفيز الاقتصاد، فإن تأثير هذه السياسات يبدو محدودًا، ويرى المراقبون أن الاقتصاد الأوروبي يواجه تحديات بنيوية تتطلب إصلاحات شاملة، وليس مجرد إجراءات نقدية قصيرة المدى.
اضطراب سياسي
وتتزامن هذه التحديات الاقتصادية مع اضطراب سياسي داخلي في ألمانيا، إذ أقال المستشار الألماني أولاف شولتس وزير ماليته كريستيان ليندنر، ما أدى إلى انهيار التحالف الحكومي الثلاثي.
جاءت هذه الإقالة نتيجة خلافات حول السياسات الاقتصادية، بعد أن عارض ليندنر بشدة زيادة الاستثمارات العامة لدعم الاقتصاد، بينما رأى شولتس أن هناك حاجة ماسة لهذه الاستثمارات لإنقاذ الوضع.
الأزمة السياسية أضافت مزيدًا من الضغوط على الاقتصاد الألماني، خاصة مع اقتراب الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في فبراير 2024، وهذه الأجواء المضطربة قد تؤثر سلبًا على ثقة المستثمرين وتزيد من صعوبة استعادة الاقتصاد الألماني لزخمه.
أيقونة الاقتصاد الألماني في مأزق
من أبرز مظاهر الأزمة الاقتصادية في ألمانيا، الوضع الصعب الذي يمر به قطاع السيارات، وبالأخص شركة فولكس فاجن، التي تواجه منافسة شديدة من السيارات الكهربائية منخفضة التكلفة، إذ أشارت تقارير إلى أن الشركة تفكر في إغلاق ثلاثة مصانع على الأقل، ما يعرض آلاف الوظائف للخطر.
ويمثل هذا التطور تهديدًا كبيرًا لقطاع يُعتبر من الركائز الأساسية للاقتصاد الألماني، ويعكس التحديات التي تواجه الصناعات التقليدية في ظل التحول نحو التكنولوجيا المستدامة والمنافسة العالمية المتزايدة.