في 29 ديسمبر 2022، قبل انتهاء المدة المقررة له بعد تمديدها عشرة أيام أخرى، نجح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (73 عامًا) في تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة بعد مشاورات مع الائتلافات اليمينية التي نجحت في الوصول إلى الكنيست الإسرائيلي رقم 25، بعدما أفضت نتائج الانتخابات التي أجريت في الأول من نوفمبر 2022 إلى حصول معسكر الليكود والقوى اليمينية المتحالفة معه بزعامة نتنياهو على 64 مقعدًا من 120 مقعدًا، هي إجمالي مقاعد الكنيست، ليكلفه بعدها الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج بتشكيل الحكومة الجديدة خلال 28 يومًا منحه بعدها عشرة أيام إضافية حتى يتمكن من تشكيلها قبل بداية العام الجديد 2023.
حكومة يمينية:
منح الكنيست الإسرائيلي في 29 ديسمبر 2022، بأغلبية 63 نائبًا مقابل معارضة 54، الثقة لحكومة بنيامين نتنياهو، الذي أدى اليمين الدستورية لرئاسة الحكومة السادسة في مسيرته السياسية، والسابعة والثلاثين في تاريخ إسرائيل ليبدأ عامه السادس عشر كرئيس للوزراء، وبذلك يكون صاحب أطول مدة بقاء على رأس الحكومة الإسرائيلية. وقد تشكلت الحكومة الجديدة من 28 وزيرًا من الأحزاب اليمينية، التي تحالفت مع الليكود لخوض الانتخابات البرلمانية، واعتبرتها العديد من الاتجاهات "الأكثر يمينية" في تاريخ تشكيل الحكومات الائتلافية الإسرائيلية.
وتشكلت الحكومة الجديدة من أحزاب: الليكود، وشاس، ويهودوت هتوراه، والقوة اليهودية والصهيونية الدينية، ونوعام والقوة اليهودية. وقد حصل حزب الليكود على 17 حقيبة وزارية، هي وزارات الخارجية، والدفاع، والعدل، والمواصلات، والطاقة، والاقتصاد، والإعلام، وحماية البيئة، والاستخبارات، والثقافة والرياضة، والزراعة، والشؤون الاستراتيجية، والسياحة، والابتكار والعلوم والتكنولوجيا، والتعليم، والشتات والمساواة الاجتماعية، ووزير بلا حقيبة في مكتب رئيس الوزراء. فيما أصبح كل من بتسلئيل سموتريتش (الصهيونية الدينية) وزيرًا مسئولًا عن الشؤون المدنية في الضفة الغربية المحتلة، وهو منصب وزاري مستجد في وزارة الدفاع، وإيتمار بن جفير (القوة اليهودية)، وزيرًا للأمن القومي، وأرييه درعي (شاس) وزيرًا للداخلية، فيما توزعت الحقائب الوزارية المتبقية على باقي أحزاب الائتلاف الحاكم.
وقد حدد نتنياهو في اجتماعه الأول مع الحكومة الجديدة أربعة أهداف رئيسية يسعى لتحقيقها، أولها: التحدي الإيراني كما قال، وتبني سياسة ضد إيران وصفها بأنها تأتى حرصًا على الوجود والأمن الإسرائيليين، والحفاظ على إسرائيل متفوقة على محيطها. وثانيها: إعادة الأمن والحكم داخل دولة إسرائيل، وثالثها: معالجة مشكلات تكاليف المعيشة والإسكان، ورابعها: توسيع دائرة السلام مع الدول العربية لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي.
تداعيات محتملة:
تتنوع التداعيات المحتملة لتشكيل بنيامين نتنياهو للحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، على تفاعلات وقضايا الشرق الأوسط خلال عام 2023، وهو ما يمكن إبرازه في العناصر التالية:
(*) القضية الفلسطينية: تشكل القضية الفلسطينية الأولوية الأولى في فكر الحكومة اليمينية الجديدة، لاسيما وأن القوى اليمينية المتحالفة مع الليكود اشترطت وضع برنامج قائم على استئناف سياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورفض قيام دولة فلسطينية مستقلة، ورفض أية خطوات جادة لاستئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني على أية مرجعية. وهو ما عبّر عنه نتنياهو برفض قيام السلطة الوطنية الفلسطينية بأية مراجعات واختزال دورها في التنسيق الأمني. وقد عبر نتنياهو عن تصوره لحل الصراع مع الفلسطينيين من خلال إيجاد كيان أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة على أجزاء لم يحددها من الضفة الغربية دون سيادة أو أمن. وردًا على ذلك التصور رفض الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة تلك التصريحات، واعتبرها تشكل تحديًا لقرارات الشرعية الدولية، خاصة قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334، الذي اعتبر أن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية "غير شرعي"، وأن حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية هو "الأساس لتحقيق السلام العادل القائم على قرارات الشرعية الدولية".
(*) الملف الإيراني: يشكل البرنامج النووي الإيراني أحد أبرز أولويات حكومة نتنياهو الجديدة، إذ تعتبر أن امتلاك إيران للسلاح النوى يشكل تهديدًا للوجود الإسرائيلي. لذلك جاء تأكيد نتنياهو على التزامه بـ"فعل كل ما بوسعه" لمنع إيران من امتلاك ترسانة نووية، مشيراً إلى أنه التزام راسخ قطعه على نفسه. وفى ظل الإخفاقات المتتالية لإيران وفشلها في استئناف مباحثاتها مع القوى الغربية بشأن برنامجها النووي، وفي ظل الأزمات الداخلية بعد تفجر انتفاضة الشباب، فإن العديد من التوقعات الغربية تعتبر أن عام 2023 سيكون عام إيران وفي مقدمتها توقعات ريتشارد هاس الرئيس الحالي لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، الذي يرى أن العام الجديد 2023 سيشهد تلاقي ثلاثة متغيرات تخص إيران هي: استمرار الاحتجاجات الطلابية، واحتمالية خلافة المرشد الأعلى علي خامنئي بعد تزايد الحديث عن حالته الصحية، وغياب أية فرصة لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لاتهامها بإمداد روسيا بأسلحة لا سيما المسيرات، ومواجهتها العنيفة للمحتجين، وتأسيسًا على ذلك لا يستبعد "هاس" أن يكون هناك رد فعل عسكري لتدمير أجزاء من المؤسسات النووية الإيرانية التي لا يمكن الوصول إليها.
(*) اتفاقيات السلام الإبراهيمي: شكلت اتفاقيات السلام الإبراهيمي أحد توجهات السياسة الإسرائيلية في عهد نتنياهو، حيث نجح في إبرام العديد من تلك الاتفاقات مع عدد من الدول العربية، وعقب فوز ائتلافه بأغلبية المقاعد وتأكد تشكيله للحكومة، وفي حوار له مع وسيلة إعلامية عربية منتصف ديسمبر 2022، عبر نتنياهو عن تأثير تلك الاتفاقيات على ازدهار العلاقات الاقتصادية بعد توقيعها، مؤكدًا على أن هناك مليارات الدولارات تضخ في مشروعات مشتركة، ومئات الآلاف من الإسرائيليين يزورون دول الخليج، ومواطنو دول الخليج يزورون إسرائيل. وقد اعتبر نتنياهو أن الاتفاقيات التي أبرمتها إسرائيل جاءت مع الدول ذات التفكير المتماثل والحلفاء التقليديين للولايات المتحدة الأمريكية، فضلًا عن أنها تتقاسم المصالح المشتركة لصد العدوان الإيراني.
(*) ترسيم الحدود البحرية مع لبنان: أشار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في حواره مع وسيلة إعلامية عربية منتصف ديسمبر 2022، إلى أنه لن يتنكر لاتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي توسطت فيه الولايات المتحدة الأمريكية مع لبنان، مؤكدًا على أن ما يقلقه ألا تعود العائدات إلى لبنان، وإنما لصالح "حزب الله" التي ستُكرَّس لدعم ترسانته العسكرية التي يمكن استخدامها ليس فقط ضد إسرائيل، ولكن ضد العديد من الآخرين في الشرق الأوسط. هذا الموقف يعتبر تغييرًا لما سبق، خاصّة وأن نتنياهو أعلن سابقًا بأنه سيُلغي اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان في حال فوزه برئاسة الحكومة معتبرًا أنه اتفاق استسلام، وربما مثّل ذلك التحول إدراكًا للمنافع التي ستعود على إسرائيل من ترسيم الحدود، والتي من الممكن أن تشكل نموذجًا لتجارب أخرى مشابهة.
تحديات متعددة:
يعكس هتاف أعضاء المعارضة بقيادة يائير لبيد رئيس الوزراء السابق خلال عرض "نتنياهو" أسماء وزراء حكومته على الكنيست مرددين "ضعيف.. ضعيف"، عمق التحديات التي تواجه سياسات حكومة نتنياهو الجديدة، لاسيما وأن لبيد عدد إنجازات حكومته المنتهية ولايتها، كان من أبرز ما ذكره: إيقاف البرنامج النووي الإيراني من دون صراع مع الإدارة الأمريكية، ومواجهة كورونا دون إغلاق، وتخفيض البطالة إلى 3 في المئة، ورفع الصادرات بنسبة 15 في المئة. ووعد قائلًا "نحن عائدون قريباً إلى الحكم". هذه المعارضة وإن كان البعض يعتبرها هشّة وغير قادرة على مواجهة الائتلاف اليميني المتشدد، إلا أن ثمة مساندة لتوجهاتها، منها انقسام الرأي العام الداخلي إزاء تشكيل الحكومة اليمينية باعتبار أن سياستها ستهدد بالانقسام المجتمعي في إسرائيل، فضلاً عن شواهد للرفض الرسمي، والذي تجلى في استقالة سفيرة إسرائيل في فرنسا يائيل جيرمان اعتراضًا على تشكيل الحكومة اليمنية، معتبرةً أن سياسة نتنياهو وتصريحات وزراء الحكومة والنوايا التشريعية تتعارض مع ضميرها ورؤيتها.
مجمل القول، إن التداعيات المحتملة لتشكيل الحكومة الإسرائيلية التي وصفت بالأكثر يمينية وتشددًا في إسرائيل على تفاعلات الشرق الأوسط لن تكون هي المتغير الوحيد المؤثر في مسار تلك التفاعلات، فثمة أطراف أخرى لها مصالحها التي ستسعى لحمايتها، بل إن ثمة تحديات ستحد من حركة الحكومة الجديدة منها ما يواجهه نتنياهو بنفسه من تهم متعددة لا يزال يُحاكَم فيها أمام القضاء منذ سنوات، ومنها ما يواجه رئاسته للحكومة الجديدة التي تزامن مع تشكيلها، الإعلان عن اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بأغلبية 87 صوتًا يطلب من المحكمة العدل الدولية إصدار فتوى بشأن آثار انتهاك إسرائيل المستمر لحق الفلسطينيين بتقرير المصير.